Jan 6, 2009

تظاهرة ضد كابتن ماجد


“انزل ياللا يا كابتن ماجد… فين الوعد يا حلو يا جامد”
“انزل ياللا يا كابتن ماجد… فين الوعد يا حلو يا جامد”ا
حتشدتُ مع المئات في الشارع على صوت هذا الهتاف، وقفت على أطراف أصابعي محاولاً اختلاس نظرة إلى من يتزعمون تلك الهتافات… لكنني لم أتمكن.. سألت أحد المتحمسين: “مَن كابتن ماجد؟! هل هذا تجمع لأحباء قناة “سبيس تون”؟!
”نظر إلي الرجل نظرة احتقار دون أن يجبني، لكنه صرخ متحمساً مستكملاً الهتاف.. “يا حلو يا جامد”.
اخترقت الدائرة بصعوبة وخرجت منها أطوف بها فوجدت فتاة تهتف برقة.. “انزل ياللا يا كابتن ماجد”.. فقلت لها هامساً: “لعله يبحث عن الكرة.. أو فقد جوربه فحشر تحت السرير بحثاً عنه ولم يستطع إخراج رأسه من تحت السرير”.. حينها نظرت إليَ بابتسامة رقيقة، ثم صرخت “بخْ”، فرأيت النار تخرج من فمها، وانهالت علىّ بصفعة قوية. فانسحبت سريعاً لا أصدق ما حدث لي، لكن الفضول جعلني أقف بعيداً أرقب هذا التجمع العجيب الذي لا يتمتع بأية روح مرحة
.فجأة وجدت أحدهم يرفع صورة ثم يشعل فيها النار، كانت صورة لشخصية كبيرة في السن ربما في الخمسين أو الستين من عمره، حينها توجهت إلى أحد المشاركين أسأله أن يشرح لي بعضاً مما يحدث.. فابتعدنا قليلاً ووقفنا في مكان يمكننا من رؤية الحشود التي تزداد تباعاً.قلت له: من هذا الشخص صاحب الصورة؟
أجابني: إنه الأستاذ ماجد.علقت متعجباً: لكنه لا يشبه الصور التي نراها في “سبيس تون”!!
صرخ بعصبية: هذا ماجد مدكور… رئيس حزب “أنا”. أكبر حزب معارض في البلد.
سألته مندهشاً: ولماذا تنادونه؟ ولماذا حرقتم صورته؟ وما علاقة هذا ب “سبيس تون”؟
أجاب وبصره معلق بالتظاهرة: حزبه يدَّعي أن لديه رؤية تقودنا إلى بر الأمان، وتصور شامل لعلاج مشاكلنا. لكنه لا يحرك ساكناً، والحكومة لا تعبأ بحاجات الشعب
سألته: ولماذا لا تنددون مباشرة بسلوك الحكومة؟ لم لا تضغطون على الحكومة؟
أجاب: نحن لم نهتف هتافاً واحداً ضد الحكومة، لأننا…قاطعته: من أنتم؟
أجابني: نحن حركة “بخْ” لمعارضة المعارضة. كل وظيفتنا الضغط على المعارضة كي تقوم بمهامها، فمن السفه أن تخرج شعوب مع كل أزمة لتصيح بنفس منطق القرن العشرين، فقد انتهى القرن دون أي تغيير يُذكر وأصبح تكرار المشهد مملاً.. الشعوب بطبيعة الحال جماهير عريضة لا تخطط لمدى بعيد، لكنها قد تعبر عن عاطفتها ورأيها، أما الأحزاب وقوى المعارضة فهي القادرة على وضع خطط عملية متصاعدة للضغط الحقيقي وتوجيه الشعوب نحو مسار فعال. فالحكومة ليست وحدها ظالمة، المعارضة أيضاً جزء من الكابوس، والشعب إن لم يتمكن من التعامل مع الحكومات فهو جدير بالتعامل مع المعارضة وإيقافها عن عبثها.
سألته بجدية: وما الذي لا يروقكم في المعارضة الآن؟
طلب مني الصمت.. فها هو أحدهم يمسك مكبر الصوت ليلقي كلمة في الجماهير:” أيها الشباب… لكَم تحدث حزب “أنا” عن امتلاكه رؤية للتغيير، لكن كما ترون… لا زال يشجب ويندد مثل أي طفل صغير في الشارع. المعارضة تتملص من مهامها، وتكتفي بأعمال احتفالية استعراضية حتى تخور قوى شبابها، وترضي عاطفتهم.. ثم تلكمنا في النهاية بنكتتها السخيفة، فالوضع أكبر منها وليس بإمكانها سوى الاحتجاج.نحن اليوم نحاصر بيت كابتن ماجد.. ترى هل سيقمعكم بأبناء حزبه؟ أم أن أغلبهم يهمس بما تصرخون به؟… أم أن أغلب هذه الجموع هي بالفعل من أبنائه المخلصين للوطن؟ إننا على ثقة أن أبناء حزب “أنا” سيعلنون العصيان على كابتن ماجد… ولن يتحركوا إلا في ضوء تصور مقنع فعال”.
انفجرت الجموع بالتصفيق…
قلت للرجل الذي كان يحدثني منذ قليل: لعل حزب “أنا” يخطط للمستقبل باعتبار الاحتجاج خطوة على الطريق؟
أجاب بسخرية: يا أستاذ الأحداث التي نعاني منها تتكرر سنوياً منذ عشرات السنين، لا يوجد أي شيء جديد أو مفاجيء، لا عذر لمن يريد التخطيط للمستقبل إن لم يفعل.. لكن المعارضة تنسحب من القيام بمهامها لتقوم بدور الجمهور العادي الذي يفتقد رؤية واضحة. حزب “أنا” لا يخطط إلا لمستقبله هو.
قلت: إذن دوركم هو إسقاط المعارضة؟
أجاب: ليس بالضرورة.. دورنا هو مقاومة الدجل، أن ندفع المعارضة إلى طرح حلول جادة بعيداً عن الخطب والشعارات الفارغة.
انطلق الهتاف“كابتن ماجد اشجب والعن… صوتك ساحر حلو يجنن”
قلت للرجل: لكن المعارضة عليها ضغوط قوية من قبل الحكومة، فلا تسطيع تنفيذ برنامجها.. والجماهير أحياناً تكون حالمة وتطالب بأمور خيالية.
قاطعني: اسمعني.. والحكومة أيضاً عليها ضغوط من المجتمع الدولي.. والمعارضة في نظرها ليست إلا مجموعة من السفهاء لا يدرون كثيراً عن الواقع.. إذا سلمنا بهذا المنطق فلن يتغير الواقع. نحن ندعو للتوازن.. للتحرك في إطار الممكن، وهناك الكثير من الممكن لا تفعله المعارضة في ضغطها، وبالتالي لا تنفذ الحكومة أيضاً الممكن الذي في سعتها.
فجأة صعدت الفتاة التي صفعتني لتلقي كلمة..
“يا كابتن ماجد.. بِخْ.. سنظل نضغط عليك وعلى حزبك… لن نضغط على الحكومة.. فهي لم تعدنا يوماً بشيء… لذلك لا ننتظر منها شيئاً إزاء ما نعاني منه.. لكنك وعدتنا أنك ستخطط لتقويض لامبالاتها.. والضغط عليها لتحقيق مطالب الشعب. فإن كانت تنقص حزبكم أقلام كي تكتبوا خطتكم.. فإليكم هذه الأقلام”.. رفعت الفتاة مجموعة من أرقى الأقلام وسط هتافات ساخنة.
“فين الخطة يا ماجد بيه… خِلِص الحبر ولا إيه”

ثم استطردت الفتاة: “ها هي المشاكل تتفاقم وأنت لم تفعل شيئاً، لذلك سيستمر الضغط على حزبكم لا الحكومة، لن نردد شعارات تندد بهذا الحاكم أو ذاك، سندد بحزبك ومعارضتك التي تدعي امتلاكها حلولاً وأن على الناس فقط أن تتبعها، لن نحاصر قصر رئيس الدولة لأننا لم نرجُ منه يوماً شيئاً، لكننا سنحاصر بيتك ونقض مضجعك، وسنلاحقك وحزبك بحملات تكشفكم أمام الشعب. أيها الشباب دعوكم من مقولة سنعري الحكومة فهي بالفعل عارية… واليوم هو يوم تعرية المعارضة.. فلتزجوا بقوى المعارضة من أحزاب وحركات إلى قلب المعركة، تلك المعركة التي طالما وعدت بها قبل كل انتخابات، لكنها مع كل أزمة حقيقية تدعي أن الوضع أصعب من أن يتم فيه الوفاء بالوعد. المعارضة تضللكم حين تدعوكم إلى الغضب من الحكومة.. أتغضب من اللص الذي سرق البنك أم من الحارس الرقيب الذي مكنه من السرقة؟! كلاهما يستحق السخط.. لكننا سنحاسِب أولاً ذلك الحارس. إذ لولاه ما تمت السرقة”.
شرد ذهني فلم أعد أرى سوى حركة شفاهها.. فقد كانت أذني هناك مع الهتافات“
كابتن ماجد إبن الإيه … جنب اللص يا روحي عليه”
هزني الرجل قائلاً: يا أستاذ.. يا أستاذ
أجبته: عفواً… الآن فهمت… أنتم تضغطون على المعارضة، ولا تتعرضون قط للحكومة..
قال: ليس بالضرورة أن نضغط.. فجرائدنا ومواقعنا الإلكترونية قد تعكس طلباتنا من المعارضة. لكن المعارضة إن لم تسع بجدية لمطالبة الحكومة بها بوسائل فعالة؛ فإننا نبدأ سلسلة من أشكال الضغط على المعارضة، ونستخدم كل السبل الممكنة لكي ترضخ لنا. أو نجبرها على أن تفسح الطريق لغيرها.
قلت: وبعد ذلك تبدأ المعارضة في حشد الجمهور عبر خطة للضغط على الحكومة، فإن لم تستجب الحكومة طورت المعارضة وسائلها، فإن استسلمت للحكومة قمتم مرة أخرى بالضغط عليها.
قال: بالضبط. بعبارة أخرى نحن نصعد سلم الغضب من أدنى درجاته، ففي الدرجة الأولى نضغط على المعارضة ونصب جام غضبنا عليها وحدها، وفي الدرجة الثانية للسلم تصب المعارضة بمساعدة الشعب -وفق رؤية واضحة- غضبها على الحكومة، وفي الدرجة الثالثة تصب الحكومة بمعاونة المعارضة والشعب غضبها على أعداء الوطن. هذه فلسفتنا لطبيعة عمل أدوات المجتمع في إدارة الغضب، فالمعارضة رقيب على الحكومة، وحركة “بِخْ” رقيب على المعارضة، وكما نطالب المعارضة بامتلاك أدوات فعالة للضغط على الحكومة، فإننا كرقباء على المعارضة نمتلك أيضاً أدوات فعالة للضغط على المعارضة لتقويم سلوكها أو إزاحتها.
قلت له مبتسماً: لِم لا نتجه للمشاركة مع هذه الجموع؟
فانطلقنا واخترقنا الصفوف. كانت الهتافات لازالت تتكرر“انزل ياللا يا كابتن ماجد… فين الوعد يا حلو يا جامد”
سألت من بجواري أن يحملني… أخذت أهتف:“حركة “بِخْ” يا كابتن ماجد….روح العصر…”
لم أكمل الهتاف … فقد أيقظني فجأة صوت المنبه… فتحت التلفاز لأتابع الأخبار متفقداً الجماهير الغاضبة لعلي أجدها بينهم.. تلك الفتاة التي صفعتني… لكن حركة “بخْ” لا أثر لها… اللهم إلا في أحلامي.دَخَلَتْ طفلة أخي الصغيرة غرفتي، أغمَضَت عيني بكفيها الصغيرين الناعمين تحاول بث الرعب في قائلة: “بِخْ”، رفَعْتُ يدها… وقبلتها… فقد رأيت فيها تفسير حلمي، فليس سواها فتاة “بخْ” المرتقبة. وأرجو ألا أكون الشخص المبشر بصفعة منها على وجهه يوم تكبر، فضلاً عن أن أكون “كابتن ماجد
ــــــــــــــــــ
من سلسلة ادارة الغضب الفعال
وائل عادل
أكاديمية التغيير